الآية:
«إنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ
البَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْرا فَإنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ».
الأصل التقليدي
ان ذكر الصفا والمروة لعلاقة سابقة بين هذه الآية رقم (158) وبين الآيات
السابقة في قوله «اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ» لكونهما من شعائر
اللّه وهي أمور قريبة ومن مصاديق مظاهر العبادة أيضا فكان السياق مناسباً حيث
يتضمن الصبر وضبط النفس وكلها ترتبط في عالم استكمال النفس في مسيرتها نحو القرب
الإلهي تصبح طاهرة وكلمة صفا من (صَفَوَ) وهو الخلوص عن جمع الكدورات والشوائب وانه
من نوع الاصطفاء الّذي خصصه اللّه للعبادة والمراد من كلمة المروة واحد المروة
ويراد بها الحجارة البيض أو الحجارة التي ينقدح منها النار وهي جبل بمكة واختلف
فيهما هل انهما من اعلام متعبداته أو انهما من مواضع نسكه وطاعاته ذهب ابن عباس إلى
الوجه الاخير وذهب في المجمع وعليه الاتجاه الفقهي هو الأول ان الصفا والمروة من
مواضع عبادة اللّه ومظاهر طاعته ويكون الحكمة في السعي التذلل والخشوع له سبحانه
كما ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام لم صار المسعى أحب البقاع إلى اللّه قال
لانه يذل فيه كل جبار قوله تعالى «فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ» أي قصد الى ذلك
المكان المعين والا فالحج بوجه مطلق يراد به مطلق القصد وإنما كان القصد لبيت
اللّه الحرام لاداء المناسك.
قوله تعالى «أوِ اعْتَمَرَ» ـ كلمة العمرة بمعنى الزيارة وهي
العمارة على نحو خاص بمعنى اتى بالعمرة في أداء المناسك.
قوله تعالى «فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا» وكلمة لا
جناح قصد به الترخيص أي لا حرج عليه لأنه لما كان مرخصا وانه يؤتى بها مشروعا وليس
ما يظنه المسلمون ان الصفا والمروة من ابتداع الجاهلية وإنما هما من شعائر اللّه
ويرادمن الطواف المشي
حول الشيء أو ما بين الشيئين وقد تكرر لفظ الطواف في القرآن كما فيقوله تعالى «وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالبَيْتِ العَتِيقِ»
وقوله تعالى «وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ».
قوله تعالى «وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرا» يراد بالتطوع الرغبة بوجود
الشيء ـ واحتمل انه لو جاء بالسعي فيما بين الصفا والمروة واراد ان يأتي بها مرة
اخرى فقد ورد انه لا جناح ان يطوف بهما واحتمل ايضاً أنه من تطوع بالحج والعمرة بعد
أداء الحج والعمرة المفروضين وهذا ما ورد عن الأصم واحتمل ثالثا انه من تطوع
بالخيرات وانواع الطاعات كما ورد عن الحسن
.
قوله فان اللّه شاكر عليم ـ بمعنى انه مجازية على طاعته وكلمة الشكر تعطي
معنى النهاية في كرمه ولطفه الّذي يقدمه إلى عبيده وهذا تمام الخلق الرفيع الّذي
يجب ان يتخلق العبد باخلاق ربه وقوله عليم بمعنى يعطي ثواب عمل العامل بقدر الخبراء
من غير أن يبخس احدا حقه أو عليم بما تعملونه فيجازي على طبق ذلك العمل وال فعل
الّذي قدمه العبد لطاعة ربه.
الأصل الروائي
ورد عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال سمي الصفا صفاة لأن المصطفى آدم
هبط عليه فقطع للجبل اسم من اسم آدم عليهالسلام يقول اللّه عز وجل «إنَّ
اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى
العَالَمِينَ» ـ وهبط حواء على المروة وإنما سميت المروة لأن المرءة هطبت عليها
فقطع للجبل اسم من اسم المرءة.
ولكن ما ورد في مثل اطلاق الاسم لا ينبأ على العلة الحقيقية وإنما للكشف
عن أحد مظاهر الأسماء.
وورد في الكافي عن بعض الأصحاب قال سئل ابو عبد اللّه عليهالسلام عن
السعي بين الصفا والمروة فريضة أم سنة فقال عليهالسلام فريضة قلت او ليس قال
اللّه عز وجل «فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا» قال كان ذلك
فى عمرة القضاء ان رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهشرط عليهم ان يرفعوا الاصنام من
الصفا والمروة.
ومثله في تفسير العياشي إلا أنه اضاف فتشاغل رجل من أصحابه حتى اعيدت
الاصنام قال فانزل اللّه «إنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ
فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا»
ـ أي والاصنام عليهما.
وجاء في الكافي عن معاوية بن عمار عن الصادق عليهالسلام في حديث حج
رسول اللّه صلىاللهعليهوآله قال بعد ما طاف بالبيت وصلى ركعته قال
صلىاللهعليهوآله ان الصفا والمروة من شعائر اللّه فابدأ بما بدأ اللّه عز وجل
وان المسلمين كانوا يظنون ان السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون فانزل
اللّه ـ الآية ـ ويمكن ان المسلمين لما كانوا يعتقدون ان السعي من فعل الجاهلية
فأشار القرآن بقوله: لا جناح ـ لتوهم الخطر.
وفي تفسير القمي ان قريشاً وضعت أصنامهم بين الصفا والمروة وكانوا
يتمسحون بها إذا سعوا فلما كان من أمر رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ما كان في
غزوة الحديبية وصده عن البيت وشرطوا له ان يخلو له البيت في عام قابل حتى يقضي
عمرته الثالثة وقال لقريش ارفعوا أصنامكم حتى أسعى فرفعوها.
وفي الدر المنثور عن عامر الشعبي كان وثن بالصفا يدعى اساف ووثن بالمروة
يدعى نائلة فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت يسعون بينهما ويمسحون الوثنيين فلما
قدم رسول اللّه صلىاللهعليهوآله قالوا يا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله
ان الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنيين وأمر الطواف بهما من الشعائر
فأنزل اللّه ان الصفاوالمروة ـ الآية فذكر الصفا من أجل الوثن الّذي عليه وانث
المروة من جهة الصنم الّذي كان عليها مؤنثا.
الاستنتاج الفقهي
بما ان السعي يقارنه قصد القربة فهو من الامور العبادية وقد اوجبه الشارع
المقدس كما ورد في حديث معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال السعي
بين الصفا والمروة فريضة وفي صحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه
عليهالسلام في حديث قصر الصلاة قال عليهالسلام أو ليس قال اللّه عز وجل «إنَّ
الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ
فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا» ـ ألا ترون ان الطواف بهما واجب
مفروض لأن اللّه عز وجل قد ذكره في كتابه وصنعه نبيه صلىاللهعليهوآلهوعليه
يكون بحسب الاستظهار من الآية والروايات انه واجب ولا يفرق فيه بين كونه في العمرة
أو في الحج فانه واجب وزيادته العمدية توجب البطلان ويكون موقعه ما بين الجبلين
وإنما جيء بلفظ (لاجناح) لرفع توهم الخطر لما خطر في ذهن المسلمين ان السعي كان من
صنع المشركين إذ لأجل وضع الاصنام فيهما فأشار في قوله (لا جناح) على مشروعية السعي
ومواصلته في اداء الوظيفة العملية من قبل المسلمين كما ان التطوع بالسعي أمر محبوب
لدى المولى حيث أخذ فيه موضوعا على نحو الشعائر الدينية فتعظيمه مرغوب فيه وهو من
أفراد الواجب دون الأمر الاستحبابي وبذلك اتفق عليه كافة المسلمين مع تظافر النصوص
والاجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليهالسلام.
ثم ان مجيء آيات الأحكام في القرآن يراد بها القضايا الحقيقية وعليه يكون
الحكم بالسعي أعم من الموجودين والمعدومين.
الأصل الرمزي
موضوع الرمزية من العناوين المشيرة إلى المداليل الإلتزامية فإذا سبق
الأصل التفسيري إلى تلك اللوازم الجلية أو الخفية بحيث توجد علاقة عرفية أو عقلية
فيكون المدلول الالتزامي كاشفاً عن تلك المعاني وموضحا لها.
ومن المظاهر الرمزية مسائل الحج الّذي سوف نستعرض إلى معانيها بما يناسب
المقام حيث ورد عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال سمى الصفا صفا لأن المصطفى آدم
هبط عليه فقطع للجبل اسم من اسم آدم عليهالسلام يقول اللّه «إنَّ اللّهَ
اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ»
وهبطت حواء على المروة وإنما سميت المروة لأن المرأة هبطت عليها فقطع الجبل اسم من
اسم المرأة.
كما ان السعي رمز لما ذكر عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال ان ابراهيم
عليهالسلام لما خلف اسماعيل بمكة عطش الصبي وكان فيما بين الصفا والمروة شجرة
فخرجت امة حتى قامت على الصفا فقالت هل بالوادي من انيس فلم يجيبها احد فمضت حتى
انتهت إلى المروة فقالت هل بالوادي من أنيس فلم يجبها ثم رجعت إلى الصفا فقالت كذلك
حتى صنعت ذلك سبعاً فاجرى اللّه ذلك سنة فاتاها جبرئيل عليهالسلام فقال لها من
أنت فقالت أنا أم ولد ابراهيم فقال إلى من وكلكم فقالت أما إذا قلت ذلك فقد قلت ذلك
له حيث أراد الذهاب يا إبراهيم إلى من تكلنا فقال إلى اللّه فقال جبرئيل لقد وكلكم
إلى كاف قال وكان الناس يتجنبون الممر بمكة لمكان الماء ففحص الصبي برجله فنبعت
زمزم ورجعت من المروة إلى الصبي وقد نبع الماء فاقبلت تجمع التراب حوله مخافة ان
يسبح الماء ولو تركته لكان سيحا قال فيما رات الطير الماء حلقت عليه قال فمر ركب من
اليمن فلما راوا الطير حلقت عليه قالوا ما حلقت الاعلى ماء فاتوهم ليستقوتهم فسقوهم
من الماء واطعموا الراكب من الطعام وأجرى اللّه تعالى لهم بذلك رزقاً فكانت الركب
تمر بمكة فيطعمونهم من الطعام ويسقونهم من الماء.
وعليه عنوان الرمز إلىمثل السعي إلى سبعة اشواط رمز إلى حالة التضحية طلب
الاجتهاد نحو انقاذ الموت وطلب الضالة فكانت زوجة ابراهيم عليهالسلام تفتش عن
وجود الماء فكان آخر شوطها ان انفجرت عين زمزم وهو رمز للحياة والبقاء بعد الجهد
وان السعي رمز طريق النجاح في الاعمال الفردية والاجتماع ولقادة المصلحين والسعي
رمز للتذلل والخضوع والانكسار والكشف عن الاخلاق الفاضلة وترك الأخلاق السيئة وان
السعي نحو هذا الاتجاه المستقيم وتشكيل سبعة خطوط دلالة على الاستقامة في الموازنة
والسبعة ايضا رمز لسبع سماوات وسبع ارضين ورمز للاسبوع ورمز للفرد دون الزوجية وترك
الشركة والإثنينيّة في الالوهية.
وان السعي ما بين الجبلين الصفا والمروة رمز للمبدأ والمنتهى ورمز للحركة
من مرحلة الاستعداد إلى مرحلة الفعلية ومن مرحلة القوة إلى مرحلة التكامل.
والنظرية الرمزية من الثوابت الدالة على حالة التجرد والرجوع إلى عالم
التوحيد ومعرفة الاصول والقوانين والانتقال اعلى النتائج بعد طي المقدمات وان
اختلفت اساليبها وتصاريحها.
الأصل التشريعي
من الملاحظ أن الآية اشارت إلى أحكام تشريعية بعضها في مقام الأحكام
الموضوعة وبعضها ناظرة إلى الأحكام التكليفية.
1 ـ
قوله تعالى الصفا والمروة من شعائر اللّه ويراد بشعير اللّه تلك الموضوعات
الخارجية التي يترتب عليها الاثر الشرعي.
2 ـ
قوله تعالى: «فمن حج أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما» ـ وهو اثبات
للحكم التكليفي الإلزامي.
3 ـ
قوله تعالى: «ومن تطوع خيراً» وكلمة التطوع لغة قبول الطاعة والانصياغ نحو
الاوامر وفي المصطلح الفقهي يحمل على الاعمال المستحبة وهي ايضا من الأحكام
التكليفية لان الاحكام التكليفية عامة للاحكام الخمسة حتى الأمر الابا حتي لورود
التكليف على المكلف وهو أيضا نوع ثقل.
. علل الشرائع ص 431 ـ 432.
|